حكاية في تفاصيلها أنثى جميلة.. عفاريت.. أفاعٍ وذئب حلس




سذاجة الأمية وبساطة المجتمع، سهَّلت للسيد حسين ابن نوشة فرصة الظهور المخيف، ولغمت الحكايات الشعبية المرافقة لسيرته نفوس فتيان وفتيات السبعينيات الميلادية (المتنفذين حالياً) بهاجس الخوف. لا شك أن الأساطير المروية عن مغامراته مع الليل والشوارع المظلمة والعفاريت والوحوش والأسئلة التي لا تنتهي إلا بحركة الصباح، أربكت الغالبية وتركت خلفها إرثاً من الرهاب الاجتماعي. الجدير بالذكر أن الماضي لم يطو صفحات هذه الشخصية المعروفة لدى العامة في جهة معلومة على خارطة الوطن، ولم تُغيِّب الأيام ذكره في الإسقاطات الساخرة.
حكاياته لا ريب محفوظة في الذاكرة الشعبية، ويتجدد سردها بفضل فاعليتها في الإسقاطات التي يستخدمها الجيل الحالي للذم والتندر، ولهذا بقي اسمه حياً وقصصه متداولة بتصرف، يتراوح بين المبالغة والاختزال، وهو- أي (حسين ابن نوشة) كما يبدو هو شخص غير طبيعي من حيث الشكل، مريب غريب من حيث التصرفات والمنطق، له في كل الأحوال حضور مكثف في الأحاديث المنقولة، القصص المروية استناداً على اللقاءات العابرة مع السيد حسين المُثبتة في الذاكرة الشعبية بمسامير التفاصيل المثيرة عن مغامراته وحياته الجريئة المتمردة على المألوف وما يتخللها من سلوكيات سادية تتعارض مع مبادئ القيود الطبيعية ساهمت في تضخيم الشائعات المحكية عنه، وتلك الشائعات المبالغ فيها من قبيل الإعجاب أو خلاف ذلك كونت منه أسطورة تدخل في عمليات تكوين التراث الشعبي، وتتفاعل مع عناصره الدقيقة عند اللزوم ولدواعي تجسيد الأسطورة تلقائياً ينتمي ابن نوشة في الثقافة الشعبية إلى الشخصيات الخرافية، وله مكان في صفوف الشخصيات الفوضوية المجهولة التي يخيفون بها الأمهات والآباء أبناءهم للحد من شقاوتهم وإزعاجهم، بحثاً عن الهدوء أو لدفع الصغار للنوم مبكراً للتفرغ للرومنسيات، وما أدراك ما الرومنسيات المحصورة في سويعات تحددها عقارب الساعة البيولوجية على بساط الطبيعة النقية المعطرة بنفحات عطر(الحبشوش) المبعثرة في البطانيات (أم غاطين)، والبترا أو البترة كما يجوز للفاتنات (الماجدات) تسميتها في ذلك الوقت، ونفحات البترة لمن لا يعرفها ولمن لم يجرب سحرها، تنزل كالهتان وتنثر الدفء والجاذبية في أجواء ليالي الشتاء تحديداً، وهذا هو التعبير السائد همساً عن هذا العطر المثير للشجون والغرائز وعلى خط المنافسة يتفوق عطر (الكاشت) الراقي المعُبر في ثقافة الخلان عن أجمل هدية بدرجة نخب أول في سجل مواعيد اللقاء العذري وحرارة عناق الكفوف تحت ضوء القمر المطرز بالصفاء، وسكون اللحظات في حضن اللاوعي، حيث تنحبس الأنفاس وتجف الأرياق. هذا أقرب ما يكون في وصف حال معشر العشاق المتكبرين على عهد (ابن نوشة) والمتصل به من الأيام اللاحقة التي أخضعت القوم لسيطرة نغمات عود الفنان الشعبي الشهير في ذلك الزمن الذي شاع فيه امتياز الأغنية الشعبية في تلك المنطقة الجغرافية للفنان (البصير) وأغنيته المسيلة للدموع (أنا بريئ من ذنوبه) وللمعلومية جوجل العظيم اعترف بهذه الأغنية وحفظ حقوق الفنان.
حسين، الملقب بابن نوشة تقديراً لأمه (نوشة) وإثبات لنسبه بطريقة ديمقراطية يعيش على ذمة الرواة تحت عتبة الفقر، وبه علة مخفية، ولكنه ليس من الطيور الجارحة القادمة من السماء ليلاً لخطف الأطفال، كما في الأساطير وبطبيعة الحال هذا الشخص لا يرتبط بقبيلة الغول، ولا ينتمي للكائنات المخيفة. في تشخيص العامة من معاصريه، هو إنسان (خبل) ينحدر من أصول معروفة، يُشخص المجتمع علته بتعرضه لضربة شمس في ذات ظهيرة تعيسة، وفي ثقافة البعض من عمال أرامكو القادمين للقرية في إجازاتهم السنوية التي يستعرضون فيها (اتكيت الخواجات وثقافة البخل) إنه تعرض للحمى الشوكية وفقد بالتالي شيئاً من توازنه وهذا عندهم مفسَّراً بتصرفاته غير المهذبة أحياناً والمخيفة أحياناً أخرى.
هذا الرجل بمواقفه الغريبة وتصرفاته غير المنضبطة وعباراته المريبة كون قصته وغرسها في جوف المجتمع، ورسم لها تاريخها الخاص وأصبحت شخصيته مقرونة بالتخويف المصدق علية بالبصمة الاجتماعية، على الأقل في المنطقة التي يزورها ويتردد عليها برفقة حبيبته الزوجة التي تسكنها البهجة والسرور بفعل الاختلال العقلي، كما يزعمون، يأتي عبر الجبال في رحلة ذهاب وإياب موسومة باختراق الحدود والتمرد على المواسم الأربعة دون أدنى احتياط لتقلبات المناخ، وفي هذا ما يسمح بوصف الحالة بالجنون والمجون، ولكن هذا الوصف لا يلغي تعاطف البعض معه وشك الآخرين في وضعه.
رحلته في العموم غير مجدولة، وعنصر المفاجأة عنوانها، وفي الغالب تستغرق أياماً معدودة يعود بعدها من ذات الطريق إلى نقطة الانطلاق، مخلفاً في قدومه ومغادرته ألف قصة وقصة، تغطي وقت سمر العامة، ولهم أن ينسجوا حولها ما يشاءون عطفاً على اتساع المساحة التي يتركها البطل عن قضيته مع الجبال وتضاريس جسم حبيبته والسباع والخفافيش والجن الصديقة أحيانا، وهذا مؤشر على قدرة ابن نوشة في نشر الرهاب والتأثير في ناس لا يقلون عنه في شيء، الفوارق بينهم وبينه محدودة في درجة ضربة الشمس وضربة الحظ .
ولهذا يكون الاحتفال بذكراه مناسباً في هذا الوقت، إنه من العدل بمكان أن تُحيى الذكرى ولو بشمعة واحدة على الرصيف الذي رسمت تفاصيله أقدام (ابن نوشة ) وخطوات عشيقته الجميلة المجنونة.
أسأل الله للجميع دوام الصحة العقلية وكل عام وأنتم بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق